الكتب » جامع العلوم والحكم » الحديث التاسع عشر احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله

[ ص: 459 ] الحديث التاسع عشر

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي : يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف .

رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح .

وفي رواية غير الترمذي : احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك ، واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا .



















الحاشية رقم: 1
هذا الحديث خرجه الترمذي من رواية حنش الصنعاني ، عن ابن عباس وخرجه الإمام أحمد من حديث حنش الصنعاني مع إسنادين آخرين منقطعين ولم يميز لفظ بعضها من بعض ، ولفظ حديثه : يا غلام أو يا غليم ألا أعلمك كلمات [ ص: 460 ] ينفعك الله بهن ؟ " فقلت : بلى ، فقال : " احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، قد جف القلم بما هو كائن ، فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله ، لم يقدروا عليه ، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك ، لم يقدروا عليه ، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا ، وأن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا .

وهذا اللفظ أتم من اللفظ الذي ذكره الشيخ رحمه الله ، وعزاه إلى غير الترمذي ، واللفظ الذي ذكره الشيخ رواه عبد بن حميد في " مسنده " بإسناد ضعيف عن عطاء ، عن ابن عباس ، وكذلك عزاه ابن الصلاح في " الأحاديث الكلية " التي هي أصل أربعين الشيخ رحمه الله إلى عبد بن حميد وغيره .

وقد روي هذا الحديث عن ابن عباس من طرق كثيرة من رواية ابنه علي ومولاه عكرمة ، وعطاء بن أبي رباح ، وعمرو بن دينار ، وعبيد الله بن عبد [ ص: 461 ] الله ، وعمر مولى غفرة ، وابن أبي مليكة وغيرهم .

وأصح الطرق كلها طريق حنش الصنعاني التي خرجها الترمذي ، كذا قال ابن منده وغيره . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وصى ابن عباس بهذه الوصية من حديث علي بن أبي طالب ، وأبي سعيد الخدري ، وسهل بن سعد ، وعبد الله بن جعفر ، وفي أسانيدها كلها ضعف . [ ص: 462 ] وذكر العقيلي أن أسانيد الحديث كلها لينة ، وبعضها أصلح من بعض ، وبكل حال ، فطريق حنش التي خرجها الترمذي حسنة جيدة .

وهذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة وقواعد كلية من أهم أمور الدين ، حتى قال بعض العلماء : تدبرت هذا الحديث ، فأدهشني وكدت أطيش ، فوا أسفا من الجهل بهذا الحديث ، وقلة التفهم لمعناه .

قلت : وقد أفردت لشرحه جزءا كبيرا ونحن نذكر هاهنا مقاصده على وجه الاختصار إن شاء الله تعالى .

قوله صلى الله عليه وسلم : " احفظ الله " يعني : احفظ حدوده ، وحقوقه ، وأوامره ، ونواهيه ، وحفظ ذلك : هو الوقوف عند أوامره بالامتثال ، وعند نواهيه بالاجتناب ، وعند حدوده ، فلا يتجاوز ما أمر به ، وأذن فيه إلى ما نهى عنه ، فمن فعل ذلك ، فهو من الحافظين لحدود الله الذين مدحهم الله في كتابه ، وقال عز وجل : هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب [ ق : 32 - 33 ] وفسر الحفيظ هاهنا بالحافظ لأوامر الله ، وبالحافظ لذنوبه ليتوب منها .

ومن أعظم ما يجب حفظه من أوامر الله الصلاة ، وقد أمر الله بالمحافظة عليها ، فقال : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى [ البقرة : 238 ] ، ومدح المحافظين عليها بقوله : والذين هم على صلاتهم يحافظون [ المعارج : 34 ] . [ ص: 463 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : من حافظ عليها ، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة وفي حديث آخر : من حافظ عليهن ، كن له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة .

وكذلك الطهارة ، فإنها مفتاح الصلاة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن .

ومما يؤمر بحفظه الأيمان ، قال الله عز وجل : واحفظوا أيمانكم [ المائدة : 89 ] ، فإن الأيمان يقع الناس فيها كثيرا ، ويهمل كثير منهم ما يجب بها ، فلا يحفظه ، ولا يلتزمه .