الحاردلو وبكائية العمر والدنيا - الجزء الثاني
بقلم: أسعد الطيب العباسي

رايهُوبةً عَليْ عِلَيــوْ النِّعـام مَـرَّاقَهْ
دَرَجَتْ عَـقْلي في نجيمْ عُقْلَتَا أم بُرَّاقَهْ
تَفْ أم أِيــد نَفِـجْ حَرْبَتَا مِي زَرَّاقَـهْ
حَـادَّه بَـرا نَفِخ كُـوراً كتير وطراقَه

قَـرنِكْ بَّرعوهـو وجـدَّعـو كُلاَّقَـه
قَرْطَنْ فـوق عُقّدْ ورَقِكْ بـرا لُصَّاقَهْ
سِتْ سَرقَةْ مَشيةً ثابته خاتيه شَـلاقَهْ
دِي قِـسْيَتْ على فُرسانا والدَرَّراقَـهْ

بِتْ اليازَمـانْ قَبَــلْ الرَّضِيـم تَتَّاقَـهْ
فيها خَمس حُروزْ شوَرتَين عُقُبْ خُنَّاقَهْ
تلَّتْ وبكَّـتْ الخُوخْ النَقِرتُـو دُقَاقَــهْ
زايده على البنات تَمرةْ لِسـانْ وحَـدَاقَهْ

كم شُويَـم لَهُن وكتاً كتير فـوق ناقَــهْ
زمناً في طَـرفْ رِيسَه وشِويَّةْ فَـاقــهْ
عاكسنا الدَّهــر كِـتْرَتْ علينا العَاقـَهْ
نِحنا بـرانا يا عبد الله كـيف نتلاقـى

تعتبر المربوقة من أصعب أنواع الشعر الشعبي صناعة، وتستعصى على أصحاب الملكات الضعيفة، إذ تتطلب ذخيرة لغوية كافية وتخيراً في الألفاظ والمعاني والكلمات ذات الرنين والجرس العالي، ولعل النموذج الذي أوردناه للحاردلو حالا ًيعد مثاليَّاً في شأن المربوقات، ونلاحظ أنه تميز بشكل خاص في قافيته التي جاءت بلزوم ما لا يلزم.

البدويون أصحاب قلوب نابضة يغشاها الحب ويتمكن منها كغيرهم من البشر، وتترنم بأحاسيسه شفاههم، ويعبرون عنه في أقوالهم المنظومة وتعابيرهم الخاصة، ويؤطرونه في تراكيبهم البديعة، إلا أن ما ورثوه من تقاليد وقيم حكمت أن يأتي نظمهم الذي يعبرون به عن العشق والوصال على أشكال تقف على تخوم الرمز ويخالطها الإلماح، وعندما يأتي الخاطر حاملاً في جوفه رؤى المحبوبة أو ذكريات الوصال، يتمترس الشاعر خلف براعته في التعبير دون أن يشعر المتلقي بشكل مباشر أنه تجاوز خطوط المواريث الحمراء، كما فعل مبدعنا الحاردلو حينما قال:
البـارح أنا وقصبة مـدالق السـيلْ
في ونسه وبسط لا مِن قسمنا الليلْ
وقـتين النعـام إشقلبنبو الخـيـلْ
لا جـادت ولا بخلت علي بالحـيل ْ

إن التعابير الملتاثة عن مواقف العشق الخاصة والعواطف الملتهبة والإيحاءات الحسية والإشارات الغزلية الحادة والمباشرة، يتعذر إبرازها في ديوان البادية من شعر الدوبيت، حيث لا تسمح بها المواريث التي أشرنا إليها، على أن إلحاح الخاطر وسطوته يسوق الشاعر أحياناً إليها، خاصة عندما يعجز عن إحاطتها بالإلماح أو الرمز، كما حدث لذلك الشاعر البدوي المسن الذي أسقط القدر في طريقه فتاة تدعى (تحنس) ذات جمال أخاذ، فهواها قلبه، ولكن واقعه المستبد الذي فرض عليه التحسر لم يمنعه من وصف فتاته فقال:
أُف يـا تَحـنسْ يـا ام جـمالاً فـرضَـه
مـا لقيتِك قِبيل يا مِـن بِقيت عُـود أرضه
خُـدودك كهـارِب وحـزمـتك منقرضَـه
وكَفَلِكْ عالي تمشي الفرده مابيا الفرده ..!

المربع ينسبه البعض للحاردلو ولكن الأرجح عندي أنه للشاعر علي ود يس، وهذا يثير مسألة النحل إذ نسبت كثير من الأشعار للحاردلو وهي لآخرين ولعل أعلى الأصوات إرتفاعاً بين الباحثين في شأن تسبة أشعار كثيرة للحاردلو نحلاً هو صوت الباحث الكبير ميرغني ديشاب والذي شكك في نسبة مسدار الصيد للحاردلو!! سأعود لهذه المسألة بالتفصيل إنشاء الله.