بقلم : جون أودال

ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

نشر المؤرخ البريطاني "جون أودال- بالإنجليزيةJohn Udall' المتخصص في “الشأن السوداني” هذا المقال المطول في المجلة البريطانية “الدراسات السودانية” (العدد 38 بتاريخ يوليو 2008) عن التاريخ المبكر لقبيلة الشكرية و عن زعمائها من “آل أبو سن”.

وفي نهاية المقال تقدم المؤلف بشكره للشيخ أحمد محمد أحمد أبو سن علي المعلومات التي زود بها المؤلف. لا يسع المرء إلا أن يعجب من “تقاعس” أهل “الجلد والرأس” من ذوي الاختصاص من الكتابة في شأنهم، خاصة مع تكاثر الجامعات والمعاهد المتخصصة. فحتام يواصل “االمؤرخ الأبيض” في تحمل عبئه الثقيل؟ّ! لم يحظ التاريخ القبلي للشكرية بكثير بحث ودرس، مما يعد أمرا غربيا بالنظر إلي أهمية هذه القبيلة في شمال السودان.

ولعل أهم الدراسات الأكاديمية التي نشرت حول هذه القبيلة هو ما نشره صمويل هيلليسون عام 1920 حول “قصائد الشكرية التاريخية ورواياتها” وما نشره إستيفان رايشموث حول “انتفاضة أحمد بك أبو سن (1790 – 1870) والشكرية ضد الحكم الأجنبي” والمنشور في عام 1990. كذلك تتبع السير هارولد ماكمايكل والدكتور يوسف فضل نسب الشكرية (الخلافي) لعرب جهينة وتاريخ القبيلة المتقطع في أيام مملكة الفونج (1504 – 1820) مما هو مذكور في كتاب : “الفونج: مملكة سنار” لمؤلفه أ. ج. س. كرافورد، وكتاب “عصر سنار البطولي” لمؤلفه جاي سبولدنق.

يمكن القول بأن الشكرية لم تعد قبيلة ذات شأن يعتد بها في “جزيرة مروي” الواقعة بين نهر أتبرا والنيل الأزرق إلا بعد هزمت بقيادة آل أبو سن همج الفونج وركابية البطانة في نهاية القرن الثامن عشر. القيادة التاريخية: ينسب الشكرية أنفسهم تاريخيا إلى شاع الدين ود التويم والمولود في حوالي العام 1635 ميلادية (1045 هجرية). كان مركز القبيلة في كلكول والواقعة على الشاطئ الشرقي للنيل الأزرق مقابل مدينة الكاملين. أسر الفونج شاع الدين وهو صبي صغير في أحد غارتهم وأخذوه إلى سنار في عهد الملك بادي الثاني (بين حوالي 1642 – 1677 ميلادية الموافق لـ 1052 – 1088 هجرية). دفع أعمامه فدية مقابل إطلاق سراحه وكان من شروط إتمام صفقة إطلاق سراحه أن يتلقى الصبي قدرا من التعليم في العاصمة. تبرع شاع الدين، وهو بعد في ميعة الشباب، بمهمة إقناع حامية من حراس الملك بادي كانت قد هربت من موقعها بالإستسلام، واستطاع بمعونة رجال قبيلته الشكرية من القبض علي الفارين وتسليمهم للملك بادي. لم يكن شاع الدين قد بلغ سن العشرين عندما كأفاه بادي بتزوجيه من إحدى بناته في حوالي عام 1655 ميلادية / 1065 هجرية). أثمر ذلك الزواج ولدين هما نايل وعبد الكريم. استقر القائد الجديد شاع الدين معززا مكرما في جبل قيلي والتي غدت المدينة الأم لعائلة أبو سن. ولعل شاع الدين كان ما زال يقطن هنالك إبان زيارة الرحالة التركي إيفليا سيلبي إلى أربجي وسنار في حوالي عام 1671 ميلادية (1083 هجرية). خلف شاع الدين ابنه الأكبر نايل والذي بسط سلطته حتى “أبو دليق” أرض البطاحين شمالا. أنجب نايل عدلان (المولود في حوالي 1680 ميلادية/ 1091 هجرية) والذي أعقبه محمد الدغيم (المولود في 1710 ميلادية/ 1122 هجرية) بيد أنه لا يعرف الكثير عن فترات حكم كل هؤلاء، رغم أن المؤرخين يعتقدون أن سلطة هؤلاء كانت محدودة نسبيا ولم تتعد أرض البطانة إلى غيرها مثل مناطق الركابيين و البطاحين. ظل الشكرية في مركزهم في جبل قيلي و كلكول بالقرب من أربجي تحت المراقبة اللصيقة لملوك سنار من الفونج (المانجل) وشيوخ العبدلاب المتمركزين في قري وأربجي. كتب جاكسون في عام 1912 أن مرتبة “المانجل” (ويعتقد أنها من كلمات الهمج) كانت تعني الرفعة و امتلاك الأرض التي يقيم عليها تابعيه كهبة من السلطان. كتب جوست وفرانسس وهم بعض من قادوا الحملة الاستكشافية من أرض مصر العليا لأثيوبيا عن طريق سنار (1698 -1705 ميلادية / 1110 -1117 هجرية) الكثير عن شيوخ العبدلاب. كانت هذه الحملات في عهد الملك بادي الثالث (الأحمر) آخر نسل عمارة دنقس المباشرين. ربما يكون الشيخ نايل قد أقام في جبل قيلي. شيخ عوض الكريم محمد (أبو علي) 1775(1189) – 1779 (1193): خلف شيخ محمد الدغيم بن نايل أحد أبنائه ممن قدر له إرساء قواعد عهد ازدادت فيه سلطة الشكرية السياسية. كان ذلك الإبن هو شيخ عوض الكريم محمد والشهير بأبي علي. قيل في مدح أبي علي أبيات أفادت بصعود نجمه، إذ كان يُحظى بحب أهله وبلده، وبجيش عرمرم من أقربائه وعبيده. حاول حكام البلاد الفونج و العرب كسب وده واستقطابه، بيد أنه ثار عليهم وجرعهم الهزائم. تعرض الشكرية في عهد الناظر شيخ عوض الكريم في حوالي 1775/1189 إلى اعتداءات مسلحة من ركابية البطانة في مناطق الكاملين، والذين كانوا يسيطرون علي مصادر المياه التي يؤمها الشكرية. في عهد ملك الفونج عدلان الثاني (1775 – 1786 ميلادية، 1189 – 1200 هجرية) (والذي لم يكن أكثر من ألعوبة في يد وزيره بادي ود رجب ابن أخت /أخ قائد الفونج العظيم محمد أبوالكيلك) أقدم أحد أبناء شيخ ركابي علي قتل ابن لأبي علي أسمه محمد عندما كان يسقي إبل الشكرية في جبل ماندرا (شرق الكاملين). منع أبو علي قومه من الانتقام ممن قتلوا فلذة كبده لعلمه بتفوق الركابية عسكريا على الشكرية ولصلتهم بالهمج في سنار. بيد أنه وبالصدفة المحضة وبعد مرور أيام قليلة على مقتل محمد ابن زعيم الشكرية قابلت ثلة من رجال الشكرية قاتل محمد فأردته قتيلا. رفض الركابية قبول مبدأ الصلح والتهدئة بحكم أن مقتل الرجل كان بحكم النفس بالنفس، ولجأوا إلى سنار يطلبون من حكامها العون لقتال الشكرية. تجمعت قوات سنار والركابية قرب جبل مندرا لهجوم مشترك ضد الشكرية. قاد علي عوض الكريم أبو سن (أكبر أبناء أبو علي) وأخوه حسن جيش الشكرية في المعركة في 1778/ 1192. أفلح حسن في قتل كرنكا أحد ثلاثة من قواد الهمج وفي إجبار قوات الهمج والركابية المهاجمة علي الفرار، وغنم الشكرية الكثير من نسائهم وخيولهم. بعد ذلك الانتصار تمدد نفوذ الشكرية شرقا في البطانة إلى نهر أتبرة بينما مضى الفونج ومليكهم يتجرعون كؤوس الهزيمة المذلة. فكر بادي ود رجب في خدعة ماكرة استطاع بها أن يقنع أبو علي وأولاده في حوالي 1779/1193 بقبول دعوة الملك للقاء مصالحة في “أبو حراز” بعيدا عن نهر أتبرة. وما أن أخذ أبو علي وأولاده مجلسهم كضيوف مكرمين حتى انقض عليهم من الركابية من قام بقتلهم جميعا. كان أبو علي قد رفض من قبل وبعناد شديد أن يصدق تحذير قريبه علي ود النور من احتمال الغدر بهم في تلك الرحلة الأخيرة. نجح علي ود النور في الفرار من كمين “أبو حراز” ولحق بأهله الشكرية في معسكرهم خارج “أبو حراز” وأخبرهم بما جرى ففروا سريعا ومعهم مواشيهم إلى جبل قيلي، ومنها إلى نهر أتبرة.

----------------------------------------------------------------------------
منتديات رفاعة للجميع