. محمد مورو

رغم أنه من المعروف أن أهل دارفور كلهم مسلمون تقريبًا، إلا أن التحركات الكنسية الأمريكية والأوربية للتدخل في دارفور تحمل اسم "الكنيسة المضطهدة".



ومن أنشط الداعين إلى التدخل الأمريكي في دارفور هو الحاخام اليهودي ديفيد سالبرستين والقس تشارلز كولسن، وهو من الإنجيليين المتشدّدين، وهو ما يكشف عن وجود مخطط إنجيلي صهيوني لتفكيك السودان لأسباب معروفة؛ منها أن السودان يمثل أكبر عمق إسلامي في إفريقيا، ويمتلك قدرة إنتاجية عالية يمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي في الغذاء للعرب، وربما للعرب والمسلمين، والسودان بالنسبة لمصر هو عمقها الحيوي، ومن يسيطر على السودان يمسك مصر من خصرها الحيوي.



والسودان -كما هو معروف- يتصل بحدوده الجنوبية مع أوغندا وزائير، وغربًا مع تشاد وإفريقية الوسطى، وشمالاً مع مصر وليبيا. ومن ثَمَّ فإن تفكيك السودان واحتلاله أو السيطرة عليه أمريكيًّا، ومن ثَم صهيونيًّا يؤدي إلى أهداف استراتيجية خطيرة؛ فهو يفتح الباب واسعًا أمام عمليات السيطرة والتنصير في إفريقية، ويحقق حاجزًا بين الشمال العربي الإفريقي المسلم وباقي إفريقية، وهذا هدف أمريكي صهيوني معروف. كما أنه يحقق لأمريكا نفوذًا في القرن الإفريقي، مما يضمن لها وجودًا بحريًّا وعسكريًّا في محيطات وبحار يمكن أن تكون بديلاً للإخفاق الأمريكي في السودان.



المخطط الأمريكي للسيطرة والتدخل في دافور ليس جديدًا؛ فالكونجرس الأمريكي استصدر قرار "سلام السودان" لدفع الإدارة الأمريكية نحو التدخل في دارفور، اعتمادًا على مزاعم كاذبة، كما تم وضع (51) مسئولاً سودانيًّا على قوائم المطلوبين للمحاكمة؛ بسبب مزاعم التطهير العرقي في دارفور.



والملاحظ أن التشدد والتعنت الذي يبديه زعماء حركات التمرد في دارفور كان بتوجيه أمريكي مباشر، زيادة على أن القوى الكنسية والصهيونية في الولايات المتحدة أنفقت على استقدام عدد من زعماء التمرد للتجول في الولايات المتحدة وإقناع الرأي العام الأمريكي بوجود تطهير عرقي هناك؛ ليتم الضغط على الإدارة الأمريكية في هذا الاتجاه، وتسهيل حصولها على التأييد الشعبي عند تنفيذ هذا التدخل.



وكانت قوات من الاتحاد الإفريقي -بدأت بـ (458) جندي عام 2004م، وانتهت إلى حوالي (7731) جندي الآن- قد نجحت في تحقيق قدر معقول من النجاحات في مهمتها في دافور، على الرغم من أن حركات التمرد مارست ضدها كل أنواع المضايقات بالإغارة على مواقعها وإثارة المشاكل في مناطق تواجدها، إلا أن ذلك لم يؤد إلى إخفاق تلك القوات؛ مما دفع الولايات المتحدة إلى منع التمويل الدولي لها -تحتاج إلى ميزانية قدرها (466) مليون دولار سنويًّا- وضغطت الولايات المتحدة على الدول الإفريقية لمنع تمويل الاتحاد الإفريقي لتلك القوات، الأمر الذي يعني انسحابها في النهاية، ثم صدور قرار من مجلس الأمن بإحلال قوات دولية -تحت رعاية أمريكية- بدلاً منها.



وبديهي أن الولايات المتحدة قد تفكر في الطلب من العرب تمويل القوات الدولية، أي احتلال السودان أمريكيًّا على نفقة العرب.



والمسألة هنا تحتاج إلى تحرك عربي إسلامي لدفع أموال للقوات الإفريقية لتستمر في مواقفها، ولكن حتى هذا ربما لا يكون كافيًا، ما لم يكن هناك موقف سياسي عربي إسلامي داعم للسودان، ليس من أجل السودان فقط -وهو يستحق ذلك- ولكن أيضًا من أجل مصالح العرب والمسلمين. ولأن الولايات المتحدة كانت تدرك إمكانية التحرك المصري -دفاعًا عن النفس- لإفشال مخطط التدخل الأمريكي؛ فإن الإدارة الأمريكية تحركت في أكثر من اتجاه، منها دفْع بعض أقباط المهجر إلى تقديم شكوى إلى الأمم المتحدة، وقبول هذه الشكوى بدعوى اضطهاد الأقباط في مصر، للتلويح لمصر بإمكانية تدويل المشكلة القبطية إذا لم تسكت في الموضوع السوداني.



كما أن الولايات المتحدة كانت قد نجحت في دفع الدول الإفريقية إلى حرمان السودان من رئاسة الاتحاد الإفريقي في دورته التي انعقدت بالخرطوم يومي 23-24 يناير 2006م، وسعت أيضًا إلى الضغط على الدول العربية لنقل القمة العربية المزمع عقدها في نهاية مارس 2006م من الخرطوم إلى عاصمة عربية أخرى.



من ناحية أخرى فإن الإدارة الأمريكية بذلت جهدًا كبيرًا في تحقيق اختراق داخل القوى السياسية السودانية، بل وقطاع من الجنوبيين لقبول ذلك، إلا أن الموقف السوداني لا يزال يرفض ذلك بحزم، بل إن الرئيس السوداني عمر البشير هدد بتحويل دارفور إلى مقبرة للأمريكيين.



وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك المال والسلاح والقوة والنفوذ السياسي لتحقيق التدخل في دارفور عن طريق قوات دولية؛ إلا أن المسألة ليست نزهة بالتأكيد، فهناك جمعيات ومنظمات إسلامية جهادية سودانية أعلنت أنها سوف تقاوم، والحكومة السودانية يمكن أن تحشد الشعب السوداني في هذا الصدد؛ بل ويمكن لحركات أخرى خارج السودان أن تستفيد من دخول الأمريكان إلى دارفور للتواجد فيها وفي المنطقة، وزيادة رقعة نفوذها في أمريكا.



وهكذا فإن المسألة ليست ذات اتجاه واحد، ولن تكون مهمة القوات الأمريكية في دارفور مجرد نزهة؛ بل يمكن للسيناريو العراقي أن يتكرر على ساحة دارفور بكل تفاصيله، لو تجرأت واشنطن وغامرت بالتدخل المباشر هناك!!



المصدر: موقع طريق الإسلام.