د. محمد مورو


التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت، وتم إجراء محادثات بينهما، وكذا أعضاء المكتب السياسي للحركة الشعبية، وقادة الجيش الشعبي والقيادات الأمنية والعسكرية في دولة جنوب السودان.
كشف المكشوف.. في علاقة إسرائيل بجنوب السودان 1201071213682
وهذا اللقاء العلني ليس الأول من نوعه بعد انفصال جنوب السودان وإعلانه دولة مستقلة، فقد قام بزيارات لدولة الجنوب عدد من الوفود الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وكذا وزير الخارجية الإسرائيلية جوزيف ليبرمان ومتخصصون في الشئون الإفريقية بوزارة الخارجية الإسرائيلية. فإذا أضفنا إلى ذلك زيارات قام بها كل من رئيس أوغندا وكينيا لإسرائيل منذ شهرين، واختيار دولة جنوب السودان إقامة سفارتها في إسرائيل في القدس وليس في تل أبيب لأمكننا أن نصل إلى مجموعة من الحقائق حول التحركات الصهيونية في إفريقيا عمومًا، ومنطقة حوض النيل وجنوب السودان خصوصًا.

فإسرائيل كانت ولا تزال تبحث عن أوراق في ملف النيل للضغط بها على مصر، وهذا أمر تقليدي في السياسة الإسرائيلية، إلا أن الأخطر أن هناك تعاونًا عسكريًا متصاعدًا بين الكيان الصهيوني وجنوب السودان، ولعل إسرائيل تدرك أن تصاعد المد الثوري في المنطقة العربية، وسقوط نظام مبارك سيعقِّد الموقف بالنسبة لها، ويحرمها من أوراق الاستقرار اعتمادًا على حكومات متعاونة معها على حساب القضايا العربية والفلسطينية، وأن عليها أن تعوض ذلك بتدعيم التعاون العسكري والاستراتيجي مع دولة الجنوب.

على كل حال، فإن هذا الأمر الذي أصبح علنًا، ليس جديدًا علينا، ولكن الغريب أن الدولة المصرية إبان حكم الرئيس مبارك كانت تتعامل مع هذه القضية التي تفرز ضجرًا في جنوب مصر، ببرود وإهمال أو غيبوبة أو خيانة، وكان ذلك يساعد في تحقيق الأهداف الإسرائيلية بتصرفات حمقاء تجاه السودان عمومًا، والجنوب خصوصًا، وإذا كان نظام مبارك قد سقط، فإن نظام مصر الجديد أو المؤقت لا يزال يتعامل مع القضية بدون تخطيط استراتيجي شامل، بل لعلنا نقول: إنه يتصرف برد فعل ضعيف وغير لائق مع هذه القضية الاستراتيجية، والعيب ليس بالطبع في عدم وجود خبراء مصريين - سواء في الخارجية أو المخابرات أو وزارة الري- قادرين على وضع تصور استراتيجي وتنفيذه، ولكن في استمرار غياب الإرادة الاستراتيجية في التعامل مع هذا الملف الحيوي، ويمكن أن نتصور مدى الضعف والتخاذل في التعامل مع هذا الموضوع إذا علمنا أن رد الفعل المصري تجاه زيارة نتنياهو لجوبا كان زيادة رحلات الطيران بين جوبا ومصر، وكأن ذلك يكفينا مؤنة الحركة الاستراتيجية المطلوبة في هذا الصدد.

لا نقول بأن علاقة جنوب السودان والحركة الشعبية وقيادات الجيش الشعبي والقيادات العسكرية والأمنية في جنوب السودان جديدة، وأن ذلك كان سرًا ثم أصبح علنًا، وأن المستور قد انكشف، بل الحقيقة أن المكشوف قد انكشف، فقد كانت هذه العلاقات قبل انفصال الجنوب موجودة أيضًا، وكشفتها معلومات مخابراتية وصحفية، بل كانت من البديهيات المعروفة في كل من السياسة المصرية والإسرائيلية على حد سواء.

وكانت زيارات قادة الحركة الشعبية لجنوب السودان إلى تل أبيب تجرى علنًا، وكذا تلقِّي التدريب واستقدام خبراء إسرائيليين إلى الجنوب وتلقي السلاح والمؤن والدعم السياسي للجنوب في أوروبا وأمريكا كان أمرًا معروفًا.

لقد انكشف المكشوف، ومع ذلك لا تزال السياسة المصرية تراوح مكانها.

المطلوب تحرك رسمي مصري قصير المدى ومتوسط المدى وطويل المدى، فإن لم يوجد، فعلى الحركات الشعبية والسياسة المسئولة أن تفعل شيئًا، حتى لا يكون الخنجر المغروز في الخصر مدعاة لجرح نازف يؤثر في الكيان المصري.