إسلاميو الجزائر يتنشقون نسائم الربيع العربي 817011433011639
يعتقد الكثيرين أن المد الإسلامي الذي يشهده العالم العربي تجربة يمكن تعميمها على الجميع، لاسيما أن الشعوب العربية تعيش نفس معاناة الحرمان و الظلم الواقع عليها و البطالة والاقتصاديات المدمرة بسبب الاستبداد والحكومات التي يرأسها رجال أعمال استثمروا الحكومات وجعلوها شركات خاصة تعمل لحسابهم ولجيوبهم.

وفي الجزائر الذي خاضت تجربة مواجهة شديد بين التيار الإسلامي و رئاسة الجمهورية التي يقودها "عبدالعزيز بوتفليقة" الرجل الذي يضع قدم في القبر وقدم في الدنيا، ينتظر الكثير من الإسلاميين ساعة حاسمة ليكسروا حاجز الصمت الذي فرض عليهم تحت مسميات مكافحة الإرهاب، وبالرغم من فقدانه لنفوذه بشكل كبير لكن نجاح الإسلاميين في تونس والمغرب ومصر جعل أتباع هذا التيار يستنشقون الأمل من جديد.

وبالرغم من إبعاد الكثيرين على خارج البلاد من قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ وقادة جماعات أخرى، لكنهم أظهروا مؤخرا تجديدا لنشاطهم، ويعتقد أنهم يقومون بذلك من خارج البلاد بعيداً عن أجهزة الحكومة.

وأقاموا قناة تلفزيونية فضائية مقرها أوروبا وأرسلوا وفوداً دول عربية شهدت انتفاضات هذا العام وكانت لهم مشاركات مترددة في الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

وتقول رويترز في تقرير نشرته، إن احتمالات نجاحهم ضئيلة فهم منقسمون إلى معسكرات أيديولوجية متناحرة تحاصرهم أجهزة الأمن الجزائرية القوية والأهم من ذلك أن صورتهم باتت مشوهة في عيون كثيرين بسبب الصراع الذي شاركوا فيه وأسفر عن مقتل ما يقدر بنحو 200 ألف شخص.

لكنهم يرون فرصة في انتفاضات "الربيع العربي" التي أطاحت هذا العام بزعماء علمانيين حكموا بلادهم لعقود. في تونس المجاورة تولت جماعة إسلامية كانت محظورة فيما سبق الحكم بينما في مصر تقدم الإسلاميون على منافسيهم بفارق كبير في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية التي تجري على ثلاث مراحل.

وقال "عبد الله أنس" عضو مجلس قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة في الجزائر ويقيم في لندن "كانت تونس مثلا ومنصة انطلاق لهذه الثورة (الربيع العربي)".

وأضاف: "يمكن أن تكون مثالا جيدا جدا للجزائر".

ولكي ينتعش الإسلاميون من جديد في الجزائر، عضو منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) والتي تمد أوروبا بنحو خمس وارداتها من الغاز الطبيعي، فلابد أن يتخلصوا أولاً من عبء التاريخ الدموي بالبلاد.

منذ 25 عاما كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بصدد الفوز بانتخابات تشريعية تمت الدعوة لإجرائها بعد أن أجبرت احتجاجات في الشوارع السلطات على تخفيف قبضتها على السلطة. وقالت الجبهة حينذاك إنها ستقيم دولة إسلامية.

وتدخلت الحكومة المدعومة بالجيش لإلغاء الانتخابات. وحمل الإسلاميون السلاح وانزلقت الجزائر إلى عنف دموي. ذبح المدنيون في الشوارع فكان الناس يستيقظون في الصباح ليجدوا جثثا متناثرة في بلداتهم.

و تراجع بدرجة كبيرة. وأسفرت حملة أمنية ضخمة عن اعتقال آلاف الإسلاميين. وألقى آخرون أسلحتهم وتم العفو عنهم مقابل التعهد بالابتعاد عن العمل السياسي. و يعتقد الكثيرين أن العبء الذي حمله الإسلاميين كبير لاسيما أن المخابرات الجزائرية كانت ترسل عناصرها وهم مرتدين لثياب بيضاء ولحى مزيفة لممارسة القتل في قرى قريبة من مناطق تمركز الإسلاميين من أجل تشويه صورتهم أمام المجتمع، وهذا الأمر نجحت فيه الدولة بالفعل.

وقال "صهيب بن الشيخ" وهو رجل دين وكان إمام مسجد مرسيليا في فرنسا حيث توجد جالية جزائرية كبيرة "منذ ذلك الحين (الصراع) لم يعد الإسلامي بطلا يقف ضد الطغيان. على النقيض بات في أعين الرأي العام مسؤولاً عن ألم ومعاناة الناس".

و حينما نراجع ردة الفعل الشعبية الجزائرية على الثورة الليبية أو المصرية فإننا نراها تخفي الكثير من الآلاف والخوف والقلق على بلادهم، لأنهم يرون في ذلك عنف يمكن أن يجر البلاد إلى حرب أهلية.غير أن الإسلاميين مازالوا يعتقدون أن الجزائر جاهزة للتغيير وبدأوا يتخذون خطوات عملية.

في (نوفمبر)أنشأت مجموعة من الإسلاميين الذين يعيشون في المنفى ويرتبطون بصلات بالجبهة الإسلامية للإنقاذ قناة تلفزيونية مقرها أوروبا تحمل اسم تلفزيون رشاد. ويحملها القمران الصناعيان اتلانتيك بيرد 7 ونايلسات ويمكن التقاطها في الجزائر حيث تملك معظم المنازل أطباقا لاستقبال البث الفضائي.

وتبث برامج سياسية واجتماعية حيث توجه الدعوة لقيادات ونشطاء المعارضة ومعظمهم ينتقدون الحكومة بشدة للتعقيب على الشأن الجزائري.

ويقول جزائريون في الخارج إنهم يجرون اتصالات مع دول أخرى أدت فيها انتفاضات "الربيع العربي" إلى صعود الإسلاميين للسلطة.

وتقول حركة رشاد على موقعها على الإنترنت إنها أرسلت وفداً إلى ليبيا في أواخر أيلول (سبتمبر)للالتقاء بمسؤولين في الحكومة الجديدة التي يلعب الإسلاميون فيها دورا لا بأس به.

ويقول "عبد الله أنس" الإسلامي الذي يعيش في لندن إنه جرت اتصالات مع "راشد الغنوشي" زعيم حركة النهضة الإسلامية التونسية المعتدلة. وتقود حركته حكومة ائتلافية في تونس منذ إجراء الانتخابات في (أكتوبر).

ويرى "أنس" أن التجربة التونسية أثبتت أن بالإمكان فتح المجال السياسي في شمال أفريقيا.

وقال: "على كل من في الجزائر أن يفهم أن الجزائر بها مكان للجميع... مهما كانت آراؤكم". ودعا إلى إزالة القيود السياسية ليصبح احتمال اقتسام السلطة بين المجموعات التي كانت متناحرة فيما سبق ممكنا.

وتحاول الحكومة استرضاء عدد من الشيوخ وعلماء الدين لكن البعض يرفض الإنصات لها، ونموذج لذلك حركة مجتمع السلم وهي قريبة من الإخوان، و حينما حاورت "البيان" زعيم "حمس" "سلطاني بو جرة" قال إن الإصلاح يبدأ بالتدرج، وهو يتبع نهج حزب التنمية والعدالة في المغرب الذي يفاوض رأس السلطة في الدولة.

وأصدر الشيخ "عبد الفتاح زراوي" العضو السابق بالجبهة الإسلامية والذي أصبح الآن إماماً سلفياً معروفاً في العاصمة الجزائرية بيانا في (أكتوبر) قال فيه إن على الحكومة تطبيق إصلاحات عاجلة.

وأضاف في "البيان" أن الإصلاحات السياسية التي تسمح للإسلاميين بممارسة النشاط السياسي بحرية ضرورية من أجل استقرار البلاد مشيراً إلى أن البلاد قد تنفجر دون إجراء مثل تلك الإصلاحات.

كما حاول تنظيم مسيرات احتجاجية في العاصمة لكن قوات الأمن منعتها.

وقال "محمد مولودي" الصحافي والمتخصص في الدراسات الإسلامية إن انقسام الإسلاميين الجزائريين يقلل من قدرتهم على العودة.

ومضى يقول "هناك السلفيون والإخوان المسلمون وغيرهم... هناك من يؤيدون العمل السياسي ومن يعتبرون العمل السياسي حرام".

وعلى الرغم من هذا فإن مناقشات جادة تجري داخل النخبة الجزائرية الحاكمة للمرة الأولى منذ بدأ الصراع قبل 20 عاماً بشأن إعطاء الإسلاميين دورا في الحياة السياسية.

وتتركز هذه المناقشات - التي تجري خلف أبواب مغلقة وهو الوضع المعتاد في السياسة الجزائرية - على مسألة من سيخلف الرئيس الجزائري "عبدالعزيز بوتفليقة" حين تنتهي ولايته الأخيرة في 2014.

ويدعم أحد المعسكرات داخل النخبة "عبدالعزيز بلخادم" رئيس الوزراء السابق والأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم. وهو علماني يحظى بثقة الإسلاميين ويعارضه معسكر من العلمانيين المتشددين الذين يتمتعون بدعم قوات الأمن.

وظهر الخلاف علنا حين شنت مجموعة من معارضي بلخادم داخل حزب جبهة التحرير حملة لإقالته من قيادة الحزب.

وقال أكاديمي علماني بجامعة الجزائر "من الحكمة تعزيز رجل مثل عبد العزيز بلخادم الذي يرتبط بعلاقات جيدة بالإسلاميين وأيضا بصناع القرار داخل النظام.

"يجب أن يضع صناع القرار في اعتبارهم أن الإسلاميين سيحكمون شمال إفريقيا". وصادق البرلمان في الجزائر مؤخرا تشريع يقضى بمنع مسؤولي الجبهة الإسلامية للإنقاذ ومن بنيهم "علي بلحاج" و"عباس مدني" من ممارسة العمل السياسي في البلاد بحجة أنهم مسؤولين عن الصراع الدموي في التسعينيات من القرن الماضي.

ويرى مراقبين للأوضاع الاجتماعية في الجزائر أن التدهور المعيشي يمكن أني ساهم بشكل كبير في ميلاد ثورة جديدة في الجزائر تقضى على الحكم الدكتاتوري الذي لا يعبأ بمعاناة الناس، لأن الفقر الخانق وانتشار البطالة يمكن أن تدفع للتغيير في قناعات الناس، ومصر خير مثال على ذلك.