جامع العلوم والحكم » الحديث السابع عشر إن الله كتب الإحسان على كل شيء

[ ص: 379 ] الحديث السابع عشر عن أبي يعلى شداد بن أوس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته . رواه مسلم .


الحاشية رقم: 1
هذا الحديث خرجه مسلم دون البخاري من رواية أبي قلابة ، عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن شداد بن أوس ، وتركه البخاري ، لأنه لم يخرج في " صحيحه " لأبي الأشعث شيئا وهو شامي ثقة . وقد روي نحوه من حديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله عز وجل محسن فأحسنوا ، فإذا قتل أحدكم ، فليحسن مقتوله ، وإذا ذبح ، فليحد شفرته ، وليرح ذبيحته خرجه ابن عدي . وخرج الطبراني من حديث أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا حكمتم فاعدلوا ، وإذا قلتم فأحسنوا ، فإن الله محسن يحب المحسنين . [ ص: 380 ] فقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله كتب الإحسان على كل شيء وفي رواية لأبي إسحاق الفزاري في كتاب " السير " عن خالد ، عن أبي قلابة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله كتب الإحسان على كل شيء أو قال : " على كل خلق " هكذا خرجها مرسلة ، وبالشك في " كل شيء " أو " كل خلق " وظاهره يقتضي أنه كتب على كل مخلوق الإحسان ، فيكون كل شيء أو كل مخلوق هو المكتوب عليه ، والمكتوب هو الإحسان . وقيل : إن المعنى أن الله كتب الإحسان إلى كل شيء ، أو في كل شيء ، أو كتب الإحسان في الولاية على كل شيء ، فيكون المكتوب عليه غير مذكور ، وإنما المذكور المحسن إليه . ولفظ " الكتابة " يقتضي الوجوب عند أكثر الفقهاء والأصوليين خلافا لبعضهم ، وإنما استعمال لفظة الكتابة في القرآن فيما هو واجب حتم إما شرعا ، كقوله تعالى : إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا [ النساء : 103 ] ، وقوله : كتب عليكم الصيام [ البقرة : 182 ] ، كتب عليكم القتال [ البقرة : 216 ] ، أو فيما هو واقع قدرا لا محالة ، كقوله : كتب الله لأغلبن أنا ورسلي [ المجادلة : 21 ] ، وقوله : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون [ الأنبياء : 105 ] ، وقوله : أولئك كتب في قلوبهم الإيمان [ ص: 381 ] [ المجادلة : 22 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم في قيام شهر رمضان : إني خشيت أن يكتب عليكم وقال : " أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي " ، وقال : كتب على ابن آدم حظه من الزنا ، فهو مدرك ذلك لا محالة . وحينئذ فهذا الحديث نص في وجوب الإحسان ، وقد أمر الله تعالى به ، فقال : إن الله يأمر بالعدل والإحسان [ النحل : 90 ] وقال : أحسنوا إن الله يحب المحسنين [ البقرة : 195 ] . وهذا الأمر بالإحسان تارة يكون للوجوب كالإحسان إلى الوالدين والأرحام بمقدار ما يحصل به البر والصلة والإحسان إلى الضيف بقدر ما يحصل به قراه على ما سبق ذكره . وتارة يكون للندب كصدقة التطوع ونحوها . وهذا الحديث يدل على وجوب الإحسان في كل شيء من الأعمال ، لكن إحسان كل شيء بحسبه ، فالإحسان في الإتيان بالواجبات الظاهرة والباطنة : الإتيان بها على وجه كمال واجباتها ، فهذا القدر من الإحسان فيها واجب ، وأما الإحسان فيها بإكمال مستحباتها فليس بواجب . [ ص: 382 ] والإحسان في ترك الحرمات : الانتهاء عنها ، وترك ظاهرها وباطنها ، كما قال تعالى : وذروا ظاهر الإثم وباطنه [ الأنعام : 120 ] . فهذا القدر من الإحسان فيها واجب .