الكتب » جامع العلوم والحكم » الحديث الثاني بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر

[ ص: 93 ] الحديث الثاني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال يا محمد ، أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الإسلام : أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " . قال : صدقت ، قال : فعجبنا له يسأله ويصدقه . قال : فأخبرني عن الإيمان . قال : " أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " . قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان ، قال : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك " . قال : فأخبرني عن الساعة ؟ . قال : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " . قال : فأخبرني عن أمارتها ؟ . قال : " أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان " . [ ص: 94 ] ثم انطلق ، فلبثت مليا ، ثم قال لي : " يا عمر ، أتدري من السائل ؟ . قلت : الله ورسوله أعلم . قال : هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " . رواه مسلم .


الحاشية رقم: 1
هذا الحديث تفرد به مسلم عن البخاري بإخراجه ، فخرجه من طريق كهمس عن عبد الله بن بريدة ، عن يحيى بن يعمر ، قال : كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني ، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين ، فقلنا : لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر ، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد ، فاكتنفته أنا وصاحبي ، أحدنا عن يمينه ، والآخر عن شماله ، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن ، إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ، ويتقفرون العلم ، وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر ، وأن الأمر أنف . فقال : إذا لقيت أولئك ، فأخبرهم أني بريء منهم ، وأنهم برآء مني ، [ ص: 95 ] والذي يحلف به عبد الله بن عمر ، لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا ، فأنفقه ، ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر . ثم قال : حدثني أبي عمر بن الخطاب ، قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر الحديث بطوله . ثم خرجه من طرق أخرى ، بعضها يرجع إلى عبد الله بن بريدة ، وبعضها يرجع إلى يحيى بن يعمر ، وذكر أن في بعض ألفاظها زيادة ونقصا . وخرجه ابن حبان في " صحيحه " من طريق سليمان التيمي ، عن يحيى بن يعمر ، وقد خرجه مسلم من هذا الطريق ، إلا أنه لم يذكر لفظه ، وفيه زيادات منها : في الإسلام ، قال : " وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة ، وأن تتم الوضوء [ وتصوم رمضان ] " قال : فإذا فعلت ذلك ، فأنا مسلم ؟ قال : نعم . وقال في الإيمان : " وتؤمن بالجنة والنار والميزان " ، وقال فيه : فإذا فعلت ذلك ، فأنا مؤمن ؟ قال : " نعم " . وقال في آخره : " هذا جبريل أتاكم ليعلمكم أمر دينكم ، خذوا عنه ، والذي نفسي بيده ما شبه علي منذ أتاني قبل مرتي هذه ، وما عرفته حتى ولى " . وخرجنا في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يوما بارزا للناس ، فأتاه رجل ، فقال : ما الإيمان ؟ فقال : " الإيمان : أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ، وبلقائه ، ورسله ، وتؤمن بالبعث الآخر " . قال : يا رسول الله ، ما الإسلام ؟ قال : " الإسلام : أن تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان " [ ص: 96 ] قال : يا رسول الله ، ما الإحسان ؟ قال : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإنك إن لا تراه ، فإنه يراك " . قال : يا رسول الله ، متى الساعة ؟ " قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، ولكن سأحدثك ، عن أشراطها : إذا ولدت الأمة ربتها ، فذاك من أشراطها ، وإذا رأيت العراة الحفاة رؤوس الناس ، فذاك من أشراطها ، وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان ، فذاك من أشراطها في خمس لا يعلمهن إلا الله ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ( لقمان : 34 ) . قال : ثم أدبر الرجل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علي بالرجل " ، فأخذوا ليردوه ، فلم يروا شيئا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم " . وخرجه مسلم بسياق أتم من هذا ، وفيه في خصال الإيمان : " وتؤمن [ ص: 97 ] بالقدر كله " وقال في الإحسان : " أن تخشى الله كأنك تراه " . وخرجه الإمام أحمد في " مسنده " من حديث شهر بن حوشب ، عن ابن عباس . ومن حديث شهر بن حوشب أيضا ، عن ابن عامر أو أبي عامر ، أو أبي مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي حديثه قال : ونسمع رجع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا نرى الذي يكلمه ، ولا نسمع كلامه ، وهذا يرده حديث عمر الذي خرجه مسلم وهو أصح . وقد روي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس بن مالك وجرير بن عبد الله البجلي وغيرهما . وهو حديث عظيم جدا ، يشتمل على شرح الدين كله ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في آخره : " هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " بعد أن شرح درجة الإسلام ، ودرجة الإيمان ، ودرجة الإحسان ، فجعل ذلك كله دينا . واختلفت الرواية في تقديم الإسلام على الإيمان وعكسه ففي حديث [ ص: 98 ] عمر الذي خرجه مسلم أنه بدأ بالسؤال عن الإسلام ، وفي حديث الترمذي وغيره أنه بدأ بالسؤال عن الإيمان ، كما في حديث أبي هريرة ، وجاء في بعض روايات حديث عمر أنه سأله عن الإحسان بين الإسلام والإيمان . فأما الإسلام ، فقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بأعمال الجوارح الظاهرة من القول والعمل ، وأول ذلك : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وهو عمل اللسان ، ثم إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا . وهي منقسمة إلى عمل بدني : كالصلاة والصوم ، وإلى عمل مالي : وهو إيتاء الزكاة ، وإلى ما هو مركب منهما ، كالحج بالنسبة إلى البعيد عن مكة . وفي رواية ابن حبان أضاف إلى ذلك الاعتمار ، والغسل من الجنابة ، وإتمام الوضوء ، وفي هذا تنبيه على أن جميع الواجبات الظاهرة داخلة في مسمى الإسلام . وإنما ذكر هاهنا أصول أعمال الإسلام التي ينبني عليها كما سيأتي شرح ذلك في حديث ابن عمر بني الإسلام على خمس في موضعه إن شاء الله تعالى . وقوله في بعض الروايات : فإذا فعلت ذلك ، فأنا مسلم ؟ قال : " نعم " يدل على أن من كمل الإتيان بمباني الإسلام الخمس ، صار مسلما حقا ، مع أن من أقر بالشهادتين ، صار مسلما حكما ، فإذا دخل في الإسلام بذلك ، ألزم بالقيام ببقية خصال الإسلام ، ومن ترك الشهادتين ، خرج من الإسلام ، وفي خروجه من الإسلام بترك الصلاة خلاف مشهور بين العلماء ، وكذلك في تركه بقية مباني الإسلام الخمس ، كما سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى [ ص: 99 ] ومما يدل على أن جميع الأعمال الظاهرة تدخل في مسمى الإسلام قول النبي صلى الله عليه وسلم : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده . وفي " الصحيحين " عن عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الإسلام خير ؟ قال : أن تطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف . وفي " صحيح الحاكم " عن أبي هريرة ، عن النبي قال : إن للإسلام [ ص: 100 ] صوى ومنارا كمنار الطريق من ذلك : أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وتسليمك على بني آدم إذا لقيتهم وتسليمك على أهل بيتك إذا دخلت عليهم ، فمن انتقص منهن شيئا ، فهو سهم من الإسلام تركه ، ومن يتركهن ، فقد نبذ الإسلام وراء ظهره . وخرجه ابن مردويه من حديث أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : للإسلام ضياء وعلامات كمنار الطريق ، فرأسها وجماعها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وإتمام الوضوء ، والحكم بكتاب الله وسنة نبيه ، وطاعة ولاة الأمر ، وتسليمكم على أنفسكم ، وتسليمكم على أهليكم إذا دخلتم بيوتكم ، وتسليمكم على بني آدم إذا لقيتموهم وفي إسناده ضعف ، ولعله موقوف . وصح من حديث أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة ، قال : الإسلام ثمانية أسهم : الإسلام سهم ، والصلاة سهم ، والزكاة سهم ، وحج البيت سهم ، والجهاد سهم ، وصوم رمضان سهم ، والأمر بالمعروف سهم ، والنهي عن المنكر سهم ، وخاب من لا سهم له . وخرجه البزار مرفوعا ، والموقوف أصح . [ ص: 101 ] ورواه بعضهم عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم خرجه أبو يعلى الموصلي وغيره ، والموقوف على حذيفة أصح . قاله الدارقطني وغيره . وقوله : " الإسلام سهم " يعني الشهادتين ، لأنهما علم الإسلام ، وبهما يصير الإنسان مسلما . وكذلك ترك المحرمات داخل في مسمى الإسلام أيضا ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى . ويدل على هذا أيضا ما خرجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي من حديث العرباض بن سارية ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ضرب الله مثلا صراطا مستقيما [ ص: 102 ] وعلى جنبتي الصراط سوران ، فيهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ، ادخلوا الصراط جميعا ، ولا تعوجوا ، وداع يدعو من جوف الصراط ، فإذا أراد أحد أن يفتح شيئا من تلك الأبواب ، قال ويحك لا تفتحه ، فإنك إن تفتحه تلجه . والصراط : الإسلام ، والسوران : حدود الله ، والأبواب المفتحة : محارم الله ، وذلك الداعي على رأس الصراط : كتاب الله والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم زاد الترمذي : والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( يونس : 25 ) . ففي هذا المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم أن الإسلام هو الصراط المستقيم الذي أمر الله تعالى بالاستقامة عليه ، ونهى عن تجاوز حدوده ، وأن من ارتكب شيئا من المحرمات ، فقد تعدى حدوده .