تقديم: هذا هو الجزء الثاني لما نشره المؤرخ البريطاني المتخصص في “الشأن السوداني” في المجلة البريطانية “الدراسات السودانية”
(العدد 38 بتاريخ يوليو 2008) عن التاريخ المبكر لقبيلة الشكرية وعن زعمائها من “آل أبو سن”. في الجزء الأول تحدث الكاتب عن تاريخ الشكرية المبكر وعن زعيمها شيخ عوض الكريم محمد الشهير بأبي علي (1775 – 1779).مقدم آل “أبو سن”: عوض الكريم علي أبوسن (1779/1193 – 1802/1217):
بعد مقتل زعيم الشكرية “أبو علي” في 1779/ 1193 كان لزاماً على كبراء القبيلة انتخاب ناظر جديد لها. رشح كبار القوم محمد دكين، بيد أن الشاب الثائر علي ود النور رفض ذلك الاختيار ورشح بدلاً عنه عوض الكريم ود علي، أحد صغار أبناء الزعيم المغدور في “أب حراز” في 1760. من بعد انتخابه عرف الرجل بعوض الكريم أبو سن. وسبب تسميته بأبي سن هو أن احدى أسنانه الأمامية كانت سوداء اللون. عقب اختياره لزعامة القوم ورغم صغر سنه فلقد بدأ الناظر الجديد في التحضير للانتقام والثأر من حكام سنار الهمج الذين قتلوا والده فحاربهم في موقعة أساوي وهزمهم شر هزيمة. خلدت كثير من القصائد تلك المعركة وقائدها “ود علي” الذي انتقم لأبيه المغدور وجرع عدلان ملك الفونج كؤوس الهزيمة.
أزاح موت كبير الفونج بادي رجب عن عاتق الشكرية هم وتكاليف الاستعداد لمجابهة حكام سنار لقرابة عقد من الزمان أو على الأقل حتى موت الملك عدلان الثاني في 1789/ 1203. خلف بادي رجب ابن عمه الأصغر ناصر محمد والذي قبل بوساطة شيخ العركيين يوسف أب شرا في أب حراز في 1790/1205 لعقد صلح بينه وبين شيخ عبد الكريم أبوسن. ولتعزيز هذا الصلح ولإبداء حسن النية تزوج عبد الكريم من احدى كريمات شيخ يوسف أب شرا. صادق ملك الفونج الجديد بادي (الخامس) دكين على معاهدة الصلح في العام التالي (في العاشر من نوفمبر 1791 الموافق 12 ربيع الأول من 1206) والتي أعطت الشكرية – و دون منازع- ملكية الأراضي المروية بالأمطار (عدا الأراضي المملوكة للعبدلاب) والتي ذكرت الإتفاقية أنها: “تمتد من حدود الأراضي المملوكة للشكرية إلى نهر أتبرا شرقاً، وإلى “أبو دليق” شمالاً، وحتى النيل الأزرق ونهر الرهد غرباً، و أرض العبدلاب جنوباً”.
شملت قائمة شهود ذلك الاتفاق ناصر محمد وشيوخ قري وتاكا وبيلا وخشم البحر و”مصبات كردفان” وأربجي، وكلهم من حملة “المنجلية” مالكي الأراضي التي منحها إياهم الملك هدية منه. لم يكن شيخ “أبو دليق” شيخ صالح علي من ضمن شهود الاتفاق الموقعين. أشار جاكسون في العام 1912 إلى أن الملك عندما يعطي مساحات واسعة من “أراضيه” لشيخ ما كهدية، فإنه من المتوقع ضمناً أن يدفع الشيخ له نظير تلك الأرض مبلغاً كبيراً من المال (أربعين أوقية من الذهب وخمسين قنطاراً من السمن أو عدداً من إناث الإبل). توفي الملك بادي دكين في العام التالي (1792/1207)، بينما ظل الشيخ عوض الكريم أبوسن مسيطراً - دون كبير عناء - على كافة أراضي البطانة ومصادر المياه فيها وأسواق الحبوب، ولم تقع في عهده سوى بعض المعارك الصغيرة ضد البطاحين. وقعت احدى تلك المعارك في 1802/1217 في شمبات وكلفت عوض الكريم أبوسن حياته.
كان لأبي سن ثمانية من الأولاد تولي أكبرهم وأسمه حمد (1802/ 1217 – 1818/ 1233) نظارة الشكرية بعد مقتل أبيه. اغتيل حمد بيد رجل بطحاني أسمه علي ود برير في 1818/ 1233 وهو عام فاض فيه النيل وغرقت فيه البشاقرة (شمال كلكول). وللحصول على الحماية هدد قاتل حمد علي ود برير بالسعي للحصول على عون عسكري من إبن عمه (وعدوه اللدود) المك نمر ومن المك موسى ود سعد في المتمة غرب شندي. أخيراً فر علي ود برير غرباً وبذا تم تفادي حدوث نزف دموي كبير.
الغزو المصري:
بعد نحو عامين واجه المك نمر في شندي وشيخ محمد أبو سن (والذي خلف أخيه حمد في نظارة الشكرية) وشقيقه الأصغر أحمد عوض الكريم الغزو المصري في 1820 بقيادة إسماعيل ابن الخديوي محمد علي باشا. سقطت سنار في عام 1821/ 1236. كان المك نمر قد استسلم للغزاة في بربر، وبعد مرور ستة أشهر على استسلامه سمح له بالأوبة إلى شندي حيث قام لاحقاً - بالإشتراك مع موسي ود سعد - ورداً على إهانة شخصية بالقضاء على إسماعيل وجيشه في نوفمبر من العام 1822/ 1238 وهم في طريق العودة لمصر. انقسمت قبيلة الشكرية حيال الغزو المصري لفسطاطين... لجأ أحد الفريقين (الشيخ محمد أبو سن وأتباعه) إلي أتبرا تفادياً لأي احتكاك، بينما تحالف الفريق الآخر بقيادة شيخ أحمد عوض الكريم (والذي نشأ مع والدته في أب حراز) مع الحكام الأتراك الجدد، محتفظاً بمقر رئاسته على النيل الأزرق.
(العدد 38 بتاريخ يوليو 2008) عن التاريخ المبكر لقبيلة الشكرية وعن زعمائها من “آل أبو سن”. في الجزء الأول تحدث الكاتب عن تاريخ الشكرية المبكر وعن زعيمها شيخ عوض الكريم محمد الشهير بأبي علي (1775 – 1779).مقدم آل “أبو سن”: عوض الكريم علي أبوسن (1779/1193 – 1802/1217):
بعد مقتل زعيم الشكرية “أبو علي” في 1779/ 1193 كان لزاماً على كبراء القبيلة انتخاب ناظر جديد لها. رشح كبار القوم محمد دكين، بيد أن الشاب الثائر علي ود النور رفض ذلك الاختيار ورشح بدلاً عنه عوض الكريم ود علي، أحد صغار أبناء الزعيم المغدور في “أب حراز” في 1760. من بعد انتخابه عرف الرجل بعوض الكريم أبو سن. وسبب تسميته بأبي سن هو أن احدى أسنانه الأمامية كانت سوداء اللون. عقب اختياره لزعامة القوم ورغم صغر سنه فلقد بدأ الناظر الجديد في التحضير للانتقام والثأر من حكام سنار الهمج الذين قتلوا والده فحاربهم في موقعة أساوي وهزمهم شر هزيمة. خلدت كثير من القصائد تلك المعركة وقائدها “ود علي” الذي انتقم لأبيه المغدور وجرع عدلان ملك الفونج كؤوس الهزيمة.
أزاح موت كبير الفونج بادي رجب عن عاتق الشكرية هم وتكاليف الاستعداد لمجابهة حكام سنار لقرابة عقد من الزمان أو على الأقل حتى موت الملك عدلان الثاني في 1789/ 1203. خلف بادي رجب ابن عمه الأصغر ناصر محمد والذي قبل بوساطة شيخ العركيين يوسف أب شرا في أب حراز في 1790/1205 لعقد صلح بينه وبين شيخ عبد الكريم أبوسن. ولتعزيز هذا الصلح ولإبداء حسن النية تزوج عبد الكريم من احدى كريمات شيخ يوسف أب شرا. صادق ملك الفونج الجديد بادي (الخامس) دكين على معاهدة الصلح في العام التالي (في العاشر من نوفمبر 1791 الموافق 12 ربيع الأول من 1206) والتي أعطت الشكرية – و دون منازع- ملكية الأراضي المروية بالأمطار (عدا الأراضي المملوكة للعبدلاب) والتي ذكرت الإتفاقية أنها: “تمتد من حدود الأراضي المملوكة للشكرية إلى نهر أتبرا شرقاً، وإلى “أبو دليق” شمالاً، وحتى النيل الأزرق ونهر الرهد غرباً، و أرض العبدلاب جنوباً”.
شملت قائمة شهود ذلك الاتفاق ناصر محمد وشيوخ قري وتاكا وبيلا وخشم البحر و”مصبات كردفان” وأربجي، وكلهم من حملة “المنجلية” مالكي الأراضي التي منحها إياهم الملك هدية منه. لم يكن شيخ “أبو دليق” شيخ صالح علي من ضمن شهود الاتفاق الموقعين. أشار جاكسون في العام 1912 إلى أن الملك عندما يعطي مساحات واسعة من “أراضيه” لشيخ ما كهدية، فإنه من المتوقع ضمناً أن يدفع الشيخ له نظير تلك الأرض مبلغاً كبيراً من المال (أربعين أوقية من الذهب وخمسين قنطاراً من السمن أو عدداً من إناث الإبل). توفي الملك بادي دكين في العام التالي (1792/1207)، بينما ظل الشيخ عوض الكريم أبوسن مسيطراً - دون كبير عناء - على كافة أراضي البطانة ومصادر المياه فيها وأسواق الحبوب، ولم تقع في عهده سوى بعض المعارك الصغيرة ضد البطاحين. وقعت احدى تلك المعارك في 1802/1217 في شمبات وكلفت عوض الكريم أبوسن حياته.
كان لأبي سن ثمانية من الأولاد تولي أكبرهم وأسمه حمد (1802/ 1217 – 1818/ 1233) نظارة الشكرية بعد مقتل أبيه. اغتيل حمد بيد رجل بطحاني أسمه علي ود برير في 1818/ 1233 وهو عام فاض فيه النيل وغرقت فيه البشاقرة (شمال كلكول). وللحصول على الحماية هدد قاتل حمد علي ود برير بالسعي للحصول على عون عسكري من إبن عمه (وعدوه اللدود) المك نمر ومن المك موسى ود سعد في المتمة غرب شندي. أخيراً فر علي ود برير غرباً وبذا تم تفادي حدوث نزف دموي كبير.
الغزو المصري:
بعد نحو عامين واجه المك نمر في شندي وشيخ محمد أبو سن (والذي خلف أخيه حمد في نظارة الشكرية) وشقيقه الأصغر أحمد عوض الكريم الغزو المصري في 1820 بقيادة إسماعيل ابن الخديوي محمد علي باشا. سقطت سنار في عام 1821/ 1236. كان المك نمر قد استسلم للغزاة في بربر، وبعد مرور ستة أشهر على استسلامه سمح له بالأوبة إلى شندي حيث قام لاحقاً - بالإشتراك مع موسي ود سعد - ورداً على إهانة شخصية بالقضاء على إسماعيل وجيشه في نوفمبر من العام 1822/ 1238 وهم في طريق العودة لمصر. انقسمت قبيلة الشكرية حيال الغزو المصري لفسطاطين... لجأ أحد الفريقين (الشيخ محمد أبو سن وأتباعه) إلي أتبرا تفادياً لأي احتكاك، بينما تحالف الفريق الآخر بقيادة شيخ أحمد عوض الكريم (والذي نشأ مع والدته في أب حراز) مع الحكام الأتراك الجدد، محتفظاً بمقر رئاسته على النيل الأزرق.