تقديم: هذا هو الجزء الثالث لما نشره المؤرخ البريطاني المتخصص في "الشأن السوداني" في المجلة البريطانية "الدراسات السودانية" (العدد 38 بتاريخ يوليو 2008) عن التاريخ المبكر لقبيلة الشكرية وعن زعمائها من "آل أبو سن". في الجزء الأول تحدث الكاتب عن تاريخ الشكرية المبكر وعن زعيمها شيخ عوض الكريم محمد الشهير بأبي علي (1775 – 1779) وفي الجزء الثاني أرخ الكاتب لعوض الكريم أبو سن وللغزو المصري للسودان في عام 1822.
شيخ أحمد عوض الكريم أبو سن (1822/1238 – 1869 /1286):
أعقب مقتل إسماعيل باشا في نوفمبر 1822/1238 وفي خلال شهور حدوث حملة انتقامية شرسة ضد سكان شندي والمتمة قادها سرعسكر وخليفة إسماعيل باشا الدفتردار محمد بيه خوسرو الدرملي. كان المك نمر وقتها قد انسحب من شندي ولجأ إلى بطاحين "أبو دليق" ليرتب حركة مناوئة للغزاة قوامها العبدلاب والبشاريين والحسانية والشكرية. قام الدفتردار في بدايات 1823 بقتل وحرق من بقي من سكان شندي والمتمة. نجح المك نمر برفقة مساعد وشيخ العبدلاب الأمين ناصر بخداع متعقبيهم من الأتراك بالالتفاف حولهم فعادوا إلى شندي ومنها إلى "أبو دليق حيث جرت معركة دموية قضت فيها القوات التركية على جنود المك نمر. فر المك نمر هذه المرة مع ثلة من "النمراب" إلى تلال الحبشة، ودفع حلفاءه من شكرية الشرق والبشاريين ثمنا غاليا نظر اشتراكهم في الثورة ضد الغزاة الأتراك.
وفي تلك الأيام وعقب استسلام بادي ملك الفونج وتنازله عن عرشه لإسماعيل باشا في سنار عام 1821/1236 كان أصغر أبناء عوض الكريم أبو سن وأسمه أحمد، وهو رجل متعلم قضى سنوات حياته الإحدى وعشرين في "أب حراز" قد اختير من قبل الحكومة لينوب عن أخيه وناظر الشكرية محمد والذي كان قد انسحب هو وغالب أفراد قبيلته إلى ما وراء نهر أتبرة لتفادي لقاء الغزاة الأتراك. رحب أحمد عوض الكريم أبو سن بالحكام الجدد والذين قلدوه وسام شرف لسعيه كسب تأييد الشكرية للحكم التركي وجلبه لعدد من رجال الشكرية من البطانة لتقديم فروض الولاء والطاعة لإسماعيل باشا. وبعد مقتل إسماعيل في شندي في نوفمبر 1822/ 1238 وما أعقب ذلك من مجازر وحشية قادها الدفتردار تم تعيين أحمد عوض الكريم أبو سن حاكما للعاصمة الجديدة في واد مدني وذلك لاستعادة الأمن والنظام في مناطق شرق النيل.
نجح الناظر المعين أحمد عوض الكريم أبو سن في إقناع أغلب رجال الشكرية بإعادة احتلال البطانة، بينما أصر أخوه الأكبر الناظر "المخلوع" على البقاء في معزله قرب نهر أتبرا الذي يأويه ويحميه مع تابعيه عن الحكومة التركية الجديدة. وبعد مرور سنوات عديدة تنازل الرجل العجوز والذي عمل ناظرا للشكرية لثلاثين عاما عن النظارة لأخيه أحمد عند زيارة الخديوي محمد علي باشا للسودان في عام 1838/1254. يجب القول بأن أحمد ظل خلال سنوات عمله مع الحكومة يظهر غاية الاحترام لأخيه الأكبر محمد، بل واختار أحد أبنائه ليكون ضمن معاونيه المقربين وعين ابنا آخر له كشيخ على منطقة أتبرا.
تنامت مع مرور سنين الحكم التركي سلطة أحمد عوض الكريم أبو سن ونفوذه السياسي. بيد أن شكرية البطانة رعاة الإبل كانوا ينظرون بعين الريبة والشك للرجل الذي تلقى تعليمه في أب حراز وتزوج من احدى فتيات العركيين والتي أنجبت له أكبر أبنائه عوض الكريم أبو هلبة، ولم يشفع له أن الرجل قضى سنوات شبابه الأولى في البطانة وكان له فيها قطيع كبير من الإبل واختار زوجته الثانية من الحسناب. ولدت له تلك المرأة ولده محمد الحاردلو في رفاعة في عام 1830/1246، وقد غدا الحاردلو فيما بعد شاعرا رومانسيا مجيدا ونصبته الحكومة التركية شيخا لمشايخ الشكرية، رغم أنه آثر حياة الترحال في ريرة شرق جيل قيلي في البطانة.
قام أحمد (والد الحاردلو) بإنشاء وصيانة آبار عديدة في ريرة وإقناع بعض رجال الشكرية والجعليين للاستقرار في مناطق رفاعة الزراعية على النيل الأزرق وفي القضارف حيث أنشأ سوقا عرف ب"سوق أبو سن" والذي كانت له معاملات تجارية مع الحبشة. كان استقرار هؤلاء علامة فارقة أحدثت أثرا كبيرا في الحياة التقليدية لعرب الشكرية الرحل. وفي ما أقبل من أيام وجد أحمد عوض الكريم أبو سن نفسه مجبرا دون شك على التعاون مع الحاكم العام علي خورشيد باشا في تجنيد العبيد لجيش الخديوي، وهي سنة ساعد على نشرها الرجل الداهية شيخ المشايخ عبد القادر الزين يعقوبابي سنار.
في عهد حكام السودان من الأتراك بدءاً من علي خورشيد ومن بعده أحمد باشا أبو ودان (1828-43/ 1254-59) بدأ نجم أحمد أبو سن في البزوغ واللمعان. تم استدعاؤه ليكون ضمن كوكبة من نبلاء السودان للتشرف بالسلام على حضرة الخديوي عند زيارته للخرطوم في نوفمبر 1838/1254، حيث أبدى عند مقابلته – مع الآخرين- للخديوي كياسة وتحفظا وتأدبا ملحوظا، خلافا لما تفوه به شيخ سليمان أبو ريف (من رفاعة) مخاطبا الخديوي مذكرا إياه بأنه (أي الخديوي) موجود الآن في مملكته هو، وأنه (أي سليمان) ليس في مملكة الخديوي. دفع شيخ سليمان حياته مسموما نظير ذلك "التطاول" اللفظي على مقام الخديوي.
شيخ أحمد عوض الكريم أبو سن (1822/1238 – 1869 /1286):
أعقب مقتل إسماعيل باشا في نوفمبر 1822/1238 وفي خلال شهور حدوث حملة انتقامية شرسة ضد سكان شندي والمتمة قادها سرعسكر وخليفة إسماعيل باشا الدفتردار محمد بيه خوسرو الدرملي. كان المك نمر وقتها قد انسحب من شندي ولجأ إلى بطاحين "أبو دليق" ليرتب حركة مناوئة للغزاة قوامها العبدلاب والبشاريين والحسانية والشكرية. قام الدفتردار في بدايات 1823 بقتل وحرق من بقي من سكان شندي والمتمة. نجح المك نمر برفقة مساعد وشيخ العبدلاب الأمين ناصر بخداع متعقبيهم من الأتراك بالالتفاف حولهم فعادوا إلى شندي ومنها إلى "أبو دليق حيث جرت معركة دموية قضت فيها القوات التركية على جنود المك نمر. فر المك نمر هذه المرة مع ثلة من "النمراب" إلى تلال الحبشة، ودفع حلفاءه من شكرية الشرق والبشاريين ثمنا غاليا نظر اشتراكهم في الثورة ضد الغزاة الأتراك.
وفي تلك الأيام وعقب استسلام بادي ملك الفونج وتنازله عن عرشه لإسماعيل باشا في سنار عام 1821/1236 كان أصغر أبناء عوض الكريم أبو سن وأسمه أحمد، وهو رجل متعلم قضى سنوات حياته الإحدى وعشرين في "أب حراز" قد اختير من قبل الحكومة لينوب عن أخيه وناظر الشكرية محمد والذي كان قد انسحب هو وغالب أفراد قبيلته إلى ما وراء نهر أتبرة لتفادي لقاء الغزاة الأتراك. رحب أحمد عوض الكريم أبو سن بالحكام الجدد والذين قلدوه وسام شرف لسعيه كسب تأييد الشكرية للحكم التركي وجلبه لعدد من رجال الشكرية من البطانة لتقديم فروض الولاء والطاعة لإسماعيل باشا. وبعد مقتل إسماعيل في شندي في نوفمبر 1822/ 1238 وما أعقب ذلك من مجازر وحشية قادها الدفتردار تم تعيين أحمد عوض الكريم أبو سن حاكما للعاصمة الجديدة في واد مدني وذلك لاستعادة الأمن والنظام في مناطق شرق النيل.
نجح الناظر المعين أحمد عوض الكريم أبو سن في إقناع أغلب رجال الشكرية بإعادة احتلال البطانة، بينما أصر أخوه الأكبر الناظر "المخلوع" على البقاء في معزله قرب نهر أتبرا الذي يأويه ويحميه مع تابعيه عن الحكومة التركية الجديدة. وبعد مرور سنوات عديدة تنازل الرجل العجوز والذي عمل ناظرا للشكرية لثلاثين عاما عن النظارة لأخيه أحمد عند زيارة الخديوي محمد علي باشا للسودان في عام 1838/1254. يجب القول بأن أحمد ظل خلال سنوات عمله مع الحكومة يظهر غاية الاحترام لأخيه الأكبر محمد، بل واختار أحد أبنائه ليكون ضمن معاونيه المقربين وعين ابنا آخر له كشيخ على منطقة أتبرا.
تنامت مع مرور سنين الحكم التركي سلطة أحمد عوض الكريم أبو سن ونفوذه السياسي. بيد أن شكرية البطانة رعاة الإبل كانوا ينظرون بعين الريبة والشك للرجل الذي تلقى تعليمه في أب حراز وتزوج من احدى فتيات العركيين والتي أنجبت له أكبر أبنائه عوض الكريم أبو هلبة، ولم يشفع له أن الرجل قضى سنوات شبابه الأولى في البطانة وكان له فيها قطيع كبير من الإبل واختار زوجته الثانية من الحسناب. ولدت له تلك المرأة ولده محمد الحاردلو في رفاعة في عام 1830/1246، وقد غدا الحاردلو فيما بعد شاعرا رومانسيا مجيدا ونصبته الحكومة التركية شيخا لمشايخ الشكرية، رغم أنه آثر حياة الترحال في ريرة شرق جيل قيلي في البطانة.
قام أحمد (والد الحاردلو) بإنشاء وصيانة آبار عديدة في ريرة وإقناع بعض رجال الشكرية والجعليين للاستقرار في مناطق رفاعة الزراعية على النيل الأزرق وفي القضارف حيث أنشأ سوقا عرف ب"سوق أبو سن" والذي كانت له معاملات تجارية مع الحبشة. كان استقرار هؤلاء علامة فارقة أحدثت أثرا كبيرا في الحياة التقليدية لعرب الشكرية الرحل. وفي ما أقبل من أيام وجد أحمد عوض الكريم أبو سن نفسه مجبرا دون شك على التعاون مع الحاكم العام علي خورشيد باشا في تجنيد العبيد لجيش الخديوي، وهي سنة ساعد على نشرها الرجل الداهية شيخ المشايخ عبد القادر الزين يعقوبابي سنار.
في عهد حكام السودان من الأتراك بدءاً من علي خورشيد ومن بعده أحمد باشا أبو ودان (1828-43/ 1254-59) بدأ نجم أحمد أبو سن في البزوغ واللمعان. تم استدعاؤه ليكون ضمن كوكبة من نبلاء السودان للتشرف بالسلام على حضرة الخديوي عند زيارته للخرطوم في نوفمبر 1838/1254، حيث أبدى عند مقابلته – مع الآخرين- للخديوي كياسة وتحفظا وتأدبا ملحوظا، خلافا لما تفوه به شيخ سليمان أبو ريف (من رفاعة) مخاطبا الخديوي مذكرا إياه بأنه (أي الخديوي) موجود الآن في مملكته هو، وأنه (أي سليمان) ليس في مملكة الخديوي. دفع شيخ سليمان حياته مسموما نظير ذلك "التطاول" اللفظي على مقام الخديوي.